الخميس، 5 يوليو 2012

العمل القضائي في التعويض عن حوادث السير



مـقـدمـــة

تعتبر حوادث السير من بين أكثر القضايا إثارة للاهتمام بالمغرب ،نظرا لما تخلفه من ضحايا وأضرار تصيب الأرواح والأبدان والممتلكات حيث يعتبر المغرب من الدول المصنفة في المراتب الأولى فيما يتعلق بمعدل حوادث السير 48370حادثة سنة 2000  نتج عنها 77892 ضحية بين قتيل وجريح. وبلغ عدد الضحايا سنة 2006   83199جريحا       و 3622 قتيلا كبدت الاقتصاد الوطني سنة2005 11مليار درهم أي ما يماثل 2%من الناتج الوطني الخام.

إن هذا العدد المهول من الحوادث له كلفته الاجتماعية والاقتصادية الباهظة وهو مثار تجاذبات تلعب فيها المصالح المتضاربة دور المحرك والموجه ،  حيث نجد أن عدد العربات يزداد بطريقة مطردة وفي ظل اعتبار هذه العربات البرية ذات المحرك مشمولة بالتأمين الإجباري فإن شركات التأمين وهي تسعى إلى الحفاظ على مصالحها تتحول إلى قوى ضاغطة وموجهة لكل سياسة تشريعية في هذا الباب.

 ولما كان انتشار هذه الحوادث يؤدي بالضرورة إلى تزايد عدد القضايا المعروضة على محاكم المملكة فإن القضاء واجه سيلا من القضايا منذ بداية الاستعمار إلى الآن وكانت له في ذلك مواقف سنقف على بعضها خلال هذا العرض.

 لقد قسم البعض تطور العمل القضائي وفق تحقيب تاريخي ابتدأ منذ 1913 وتميز بداية بتأثره بالقضاء الفرنسي في هذا الباب وهذا طبيعي، لأن جميع الأحكام المغربية كان يطعن فيها أمام محكمة النقض الفرنسية  والقضاة المشكلون للمحاكم كانوا يحملون الجنسية ذاتها،لذا فإنه وعلى غرار ما كانت تقرره محكمة النقض الفرنسية بشأن تأسيس المسؤولية على قرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها  حيث إن حارس العربة يمكنه دفع مسؤوليته إذا أثبت أن الضحية قد أتى فعلا متهورا من جانبه كما لو قطع الطريق جريا[1]
فإن القضاء بالمغرب سار على نفس المنوال [2] بل إنه ذهب أبعد من ذلك حيث يعتبر أن خطأ المضرور يلغي تطبيق الفصل 88 من ق ل ع ويقتضي تطبيق الفصل 77 من نفس القانون.إلا أن هذا الموقف ستتم مراجعته سنة 1941 بمقتضى قرار صادر عن محكمة   الاستئناف بالرباط ليتقرر معه مبدأ تشطير المسؤولية بعد أن كانت محكمة النقض الفرنسية قد قررت ذلك في قرارها الصادر بتاريخ 13 أبريل 1934 [3]
لقد استمر العمل بقاعدة افتراض الخطأ في جانب الحارس و تشطير المسؤولية في القضاء الفرنسي والمغربي إلى غاية سنة 1957 حيث سيتخذ القضاء المغربي من تطبيق المادة 88 بشرطيها لإعفاء الحارس من المسؤولية نهجا في أحكامه  رغم تراجع محكمة النقض الفرنسية  لفترة دامت حتى سنة 1982[4].
ومع تكاثر حوادث السير لجأ القضاء المغربي إلى توسيع مسؤولية الحارس حيث تشدد في تفسير شرط قيام الحارس بما هو ضروري  لمنع الضرر  بمقتضى القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 18/03/1978 جاء فيه "إن إعفاء الحارس من المسؤولية بالاستناد إلى خطأ المضرور الذي جعل من المستحيل على الحارس القيام بأية محاولة إنقاذ تكون المحكمة لم تبين  ما إذا كان الحارس قد قام  بما هو ضروري لمنع الضرر وما  إذا كان قد اتخذ الاحتياطات التي أملاها الموقف" .
لقد كان لموقف المجلس الأعلى هذا باعتباره محكمة نقض أثر إيجابي على تعويض الضحايا في إطار حوادث السير واعتبر قرارا مبدئيا، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن القضاء كان يملك سلطة تقديرية في إقرار التعويضات المستحقة وكذا تحديد المستفيدين منها في إطار القوانين المعمول بها، فإن محاولات شركات التأمين الدِؤوبة انته   إلى إخراج ظهير 02/10/1984 والذي سوف يكون منطلق دراستنا في هذا الموضوع.

 لقد جاء ظه2/10/1984 ليتدخل في جوانب كانت من صميم عمل القضاء فحدد لائحة المستفيدين من التعويض وما هي الأضرار المشمولة وطريقة احتساب هذه الأضرار لتفتح مرحلة جديدة في تنظيم هذا المجال.
 إن أهمية دراسة العمل القضائي في مادة حوادث السير تكمن من الناحية النظرية في الوقوف على حقيقة السياسـة القضائية التي من المفترض أن تتعامل مع الأسس التي تقتضيها طبيعة المخاطر المرتبطة بهذا النوع من الحوادث وفق  منطق متطور وموضوعي بغض النظر عن النصوص الخاصة التي قد تظهر لاعتبار أو لآخر كما هو الحال بالنسبـة  لظه 2-10-1984.ومعرفة القراءة القضائية لقانون يفترض فيه أن يعالج مشكل المخاطر المحدقة التـي تتهدد الأفراد عبر تعويضهم عن تلك الأضرار .
وتكمن الأهمية العملية لهذه الدراسة في الكشف عن أوجه التشتت والتردد وكذا عوامل التطويـر والتوحيـد إن وجدت في سبيل دعم اجتهاد قضائي يوفر "الأمن القضائي للمتضررين ويضمن لهم حماية ناجعة وفعالة".
إن الإشكالية التي تطرح على هذا المستوى تكمن في مدى احترام العمل القضائي بشقيه الإعدادي في حالة وضوح النص أو الاجتهادي في حالة غموض النص أو سكوته للدور الذي يجب أن يضطلع به في حماية المضرورين مـن آثار الأخطار الواقعة عليهم من جراء الحوادث المتفاقمة وكيف تعامل مع بعض مفاهيم ظه2-10-1984 وإلى أي حد حقق ذلك التوازن بين مصالح الضحايا باعتبارهم متضررين وطرفا ضعيفا في العملية وبين مصالح شركات التأمين؟ خاصة وأن المشرع قد حدد تعويضا مضبوطا لايغطي حتما كل الضرر الذي قد يلحق المصاب أو ذوي حقوقه.
إنه وباطلاعنا على مجموعة من القرارات والأحكام الصادرة عن القضاء المغربي في هذا الباب اتضح لنا بأن الأمر لازال لم يستقر على إعطاء تأويلات واجتهادات موحدة بخصوص الظهير فما تقرره المحاكم اليوم تعدل عنه غـدا سواء تعلق الأمر بمحاكم الموضوع أو"بمحكمة النقض" المجلس الأعلى سابقا. لذا يصعب التمييز بين محطات كبرى في تفسير الظهير ومن تم فإن أية دراسة كرونولوجية لهذا العمل القضائي سوف تكون عديمة الجدوى، لذا لن نتبـع المنهج التاريخي في التحليل وإنما ارتأينا أن نعالج الموضوع بطريقة موضوعاتية ،أي كيف كان موقف القضاء مـن مجموع القضايا التي أثارها تطبيق الظهير معتمدين في ذلك المنهج التحليلي وذلك على الشكل التالي :
             
        -  المبحث الأول : العمل القضائي بشأن استحقاق التعويض عن حوادث السير.
   
       -   المبحث الثاني : تقدير التعويض عن حوادث السير في ضوء العمل القضائي .
  

  



المبحث الأول: العمل القضائي بشأن استحقاق التعويض عن حوادث السير  
  
 المطلب الأول: المستحقون للتعويض
 
 عندما تقع حادثة سير تتسبب فيها عربة برية ذات محرك يعتبر ذلك إيذانا باشتغال آليات ظهير 2/10/1984   لذا فإن الظهير كما سبق وأن أسلفنا جاء ليحصر لائحة المستفيدين من التعويض في المصاب وذوي حقوقه ، وإذا كان التعويض المستحق يقع على عاتق المسؤول المدني عن الحادث أي مالك العربة وكانت هذه العربة بالضرورة خاضعة  للتأمين الإجباري ،فإن قواعد منح التعويض تتكامل فيما بينها وما بين ما ورد بمدونة التأمينات حيث تلعب العملية التأمينية دورا حاسما في تغطية الأضرار ، لذا يصعب معالجة موضوع التعويض في إطار حوادث السير بمعزل عن الجهة التي أوكل إليها المشرع بطريقة غير مباشرة دفع هذا المبلغ من حيث الأصل .
 فكيف تعامل القضاء المغربي مع هذه القواعد ؟من حيث تحديد نطاق المستفيدن والتعويضات المستحقة لهم !وكيف تعامل مع إقصاء بعض الفئات من التأمين ؟

 الفقرة الأولـــى : المستفيدون من التعويض الذي يؤديه المؤمن .

اعتمادا على المقتضيات القانونية العامة فإن كل متضرر يحق له المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر. وقد كان هذا هو الحال قبل صدور ظهير 2/10/1984 حيث لم يكن المستفيدون من التعويض محصورون وكان تعويضهم يتم حسب السلطة التقديرية للقضاء ومنهم الإخوة مطلقـا والأجداد والأحفاد في حالة الوفاة .
وجاء ظهير 2/10/1984 وحصر المستفيدين في المصاب شخصيا، وفي حالة الوفاة في زوجـه ووالديه وأبنائه عن التعويض المعنوي، وعن التعويض المادي فإنه حصرهم في من كانت نفقتهم عليه واجبة وفقا لنظام أحواله الشخصية ومن كان يعولهم أيضا. لذا سنعالج في نقطة أولى إشكالات تطرحها تعويضات المصاب على أن نعالج في نقطة ثانية تلك المتعلقة بذوي الحقوق.
     



   أ) تعويض المصاب.

  إن التعويضات المستحقة للمصاب من طرف المؤمن هي المصاريف ( النقل والمصاريف الطبيــة والصيدلية ومصاريف الإقامة بالمستشفيات). والتعويض عن العجز المؤقت وعن العجز البدني الدائم وما يرتبط به .


      
    1) موقـف القضاء من المصاريف( الطبية والصيدلية والنقل )

لعل أول ما يواجهه المضرور وبشكل مستعجل هو تكاليف المصاريف التي في الغالب تكون مفاجئة ويصعب توفيرها خاصة بالنسبة لذوي الدخل المحدود.
نظرا لما لهذه المصاريف من طابع الاستعجال نجد أن ظهير 2/10/1984 لم يشملها مسطرة المادة 18. فشركة التأمين ملزمة بأداء المصاريف الصيدلية ومصاريف الإقامة وغيرها دون حاجة إلى اللجوء إلى القضاء تحت طائلة وقوع الشركة تحت مقتضيات الفصل 22 من الظهير كما سيأتي بيانه لاحقا.
 إلا أننا نجد أن القضاء المغربي قد تضارب بخصوص هذه المصاريف سواء من حيـث وجـوب إثباتها أو من حيث خضوعها للسلطة التقديرية بشأنها ومن حيث نطاقها.
 جاء في قرار المجلس الأعلى ( محكمة النقض) عدد 6953 بتاريخ 1/21/1996[5]
"حيث إن نفقات العلاج من المسائل الواجبة الإثبات وأن المطالبة بالرفع من التعويض الخاضع لسلطة المحكمـة التقديرية استنادا إلى أن المبلغ المحكوم به لا يغطي مصاريف العلاج مبنية على ما لم يثبته الطاعن ويكون مــعه الاستئناف غير مؤسس، وتكون عللت قرارها تعليلا سليما ومرتكزا على أساس صحيح".
 قرار المجلـس الأعلـــى بتاريخ 10/12/1998 عدد 2695/07[6] جاء فيه التعويض عن المصاريف الطبية بمبلغ أقل مما جاء في الفواتير واستبعاد بعض الفواتير والاحتفاظ ببعضهـا دون الإشارة إلى سبب ذلك يجعل القرار غامضا وخارقا لمقتضيات ظ.2/10/1984 .
وفي تناقض مع هذا القرار .قرار المجلس الأعلى عدد 116/2 المؤرخ في 2002.26 ملف جنحي 5313/01 جاء فيه: '' للمحكمة السلطة التقديرية في تقييم ما يعرض عليها من وصولات وفواتير طبية ''[7]
إن هذه النقط جعلت القضاء لا يستقر على حال بخصوصها، ثم إن المصاريف القضائية يعمد فيها القضـــاء بشكل متواتر اليوم على إخضاعها لمبدأ تشطير المسؤولية رغم كون هذا التشطير لا ينبني على أساس من القانون.

 التعويض عن العجــز المؤقت :
 سوف نعالج هذه النقطة من زاوية الأشخاص المستحقين للتعويض على أن نترك طريقة تقدير ذلك للمبحث الثاني.
 طرحت عدة إشكالات بخصوص المستحقين للتعويض عن العجز المؤقت بالنسبة للعاطل والموظــف والمتقاعدين.
فقد قرر المجلس الأعلى في قراره الصادر بتاريخ 3 نونبر 1992 في الملف الجنحي عدد 98/22796 ''[8] حيث إن القرار المطعون فيه قضى للمطالبة بالحق المدني بتعويض عن العجز المؤقت بعلة أن مدة العجز المؤقت فوتـت عليها فرصة العمل أو الكسب أو الاتجار، فتعويض عن ذلك بدون احتياج إلى إثبات، خلافا إلى ما ذهب إليـه الحكم الابتدائي'' لكن حيث إنه وبمقتضى الفصل الثالث، فإن التعويض عن العجز المؤقت يكون عن فقــد الأجرة أو الكسب المهني الناتج عن عجز المصاب ويستفاد منه أن المصاب يكون مطالبا بإثبات الأجــرة ، أو الكسب المهني الناتج عن عجز المصاب ويستفاد منه أن المصاب يكون مطالب بإثبات الأجرة أو الكسب المهنـي خلال مدة العجز المؤقت، مما تكون معه محكمة الدرجة الثانية قد أساءت تطبيق مقتضيات الفقرة أ – من الفصل الثالث المذكور لما قضت للمطالبة بالحق المدني بتعويض عن عجزها المؤقت بتعليل أنه فوت عليها فرصة العمـل أو الكسب أو الاتجار '' وهذا القرار تبنته محاكم الموضوع وهو ما يستقر عليه عمل محكمة الاستئناف بفـاس حيث لا يستحق التعويض إذا ما ثبت أن المتضرر لم يكن يتوفر على عمل قبل وقوع الحادث .
مع العلم بأن ما تلجأ إليه المحكمة هو محضر الضابطة القضائية الذي غالبا مالا يتحرى الدقة في هذه النقطة حيث تورد أغلب المحاضر مهنة المصاب ضمن هويته وذلك نقلا عن بطاقته الوطنية فتعتمد المحكمة على ما ورد بمحضر الضابطة القضائية من بيانات ما لم يدل المصاب بما يخالف ذلك .
 وقبل مناقشة هذا الموقف تؤكد على أنه بالنسبة للمتقاعدين سبق للمجلس الأعلى وان أصدر عدة قرارات متناقضة بشأنها. و هو إن كان قد أصدر قرارا بغرفتين " يعتبر في حكم الدخل الحقيقي راتب المعاش".[9]
 وإذا كان الفقه قد انقسم لفريقين في هاته النقطة:
الرأي الأول يمثله د.فؤاد معلال ود.الأمراني زنطار وهما بذلك قد سايرا المجلس الأعلى في قرارته التي تحرم العاطـل ومن لم يثبت فقد أجرته أو كسبه المهني من التعويض عن العجز المؤقت وذلك بعدم تحميل النصوص القانونيـة  أكثر مما تحتمل وأن الحل يكون عبر البحث عن الآليات القانونية المناسبة كالرفع من الرأسمال الأدنى وتوسيع دائـرة المستفيدين عامة.
ورأي يمثله ذ.رشيد مشقاقة و بلهاشمي التسولي والذي يرى بأن التعويض عن العجز المؤقت يجب أن يشمل الجميع بغـض النظر عما إذا كان لهم دخل أم لا.ونحن نسير مع هذا الطرح ذلك أنه بالرجوع إلى المادة 3 من ظه2-10-1984 نجدها لم تفرق بين التعويض عن العجز المؤقت والتعويض عن العجز البدني الدائم ،وما يؤكد هذا التوجه هـو أن المادة السادسة نصت بالحرف على أنه"يجب أن يدلى المصاب بما يثبت مبلغ أجرته وكسبه المهني وإذا لم يثبت المصاب أن له أجرة أو كسبا مهنيا اعتبر كما لو كانت أجرته أو كسبه المهني يساوي المبلغ الأدنى المحدد في الجدول المشار إليه أعلاه ".إن البعض يرى بأن المادة السادسة تتحدث عن من له أجرة أو كسب مهني ولم يستطع إثباته.
 بمعنى أن الأمر يتعلق بوسيلة إثبات فقط. وهذا في نظرنا كان ينبغي أن يجعل من النص مصاغا على الشكل التالي:
"وإذا لم يثبت المصاب أجرته أو كسبه المهني اعتبر كما لو كانت أجرته تساوي المبلغ الأدنى." والحال أن عبارة المادة 6 صريحة "إذا لم يثبت المصاب أن له أجرة أو كسبا مهنيا اعتبر كما لو أن أجرته أو كسبه المهني يساوي المبلغ الأدنى المحدد في الجدول ".
وبالنسبة للموظفين وبعض فئات المستخدمين والعمال نجد أن القضاء انقسم بشأنهم قسمين لا من حيث استحقاقهم للتعويض عن العجز المؤقت من حيث المبدأ بل من حيث وسيلة إثبات فقدهم لدخولهم. فالموظف الذي يدلي مثـلا بانقطاع أجرته خلال مدة التوقف عن العمل بسبب العجز المؤقت يستحق ذلك التعويض وكذلك الحال بالنسبـة للمستخدمين والعمال. غير أن صعوبة إثبات فوات الكسب بالنسبة للعمال المياومين وضعت القسمين القسم الجنحي لحوادث السيـر والقسم المدني الخامس إلى إعفاء العامل المياوم من الإدلاء بما يفيد ذلك لتعذره من الناحية الواقعية حيث يمتنع المشغل عادة من منحه هذه الشهادة حتى لايتم الاحتجاج بها عليه.

تعويض ذوي حقوق المصاب:

إن ذوي الحقوق قبل صدور ظهير 2-10-1984 لم يكونوا محددين ومعينين وإنما كان الأمر متروكا لاجتهاد  القضاء ولسلطته التقديرية كالجد والجدة والأحفاد والإخوة خاصة بالنسبة للتعويض المعنوي،أما في إطار ظه2/10/1984 فإن ذوي المصاب قد نصت عليهم المادة11 .
وقد جاء في قرار للمجلس الأعلى عدد1083 الصادر 24/03/1992 في الملف الجنحي 15992-90 " أن المحكمة بتقريرها أن ظهير 2/10/1984 حدد المستحقين للتعويض عن وفاة المصاب الهالك في الأصول والفروع ومن كانت تجب عليه نفقتهم ،وأن الإخوة ليسوا من هؤلاء فلا يستحقون أي تعويض تكون قد طبقت الفصل الرابع من  الظهير تطبيقا سليما ."(121) وفي القرار عدد 7417 الصادر بتاريخ يوليو1991 في الملف884 -83 عن المجلس الأعلى اعتبر أن الحفدة الذين تكفل الجد بنفقتهم بمقتضى رسم الكفالة يكونون مشمولين بالفقرة الرابعة من المادة 11 من ظ.2/10/1984 وبذلك يستحقون 10% لكل واحد منهم .
وهنا أيضا تطرح إشكالات :
في حالة وفاة الزوجة فإن الزوج لا يستحق إلا تعويضا على الضرر المعنوي.أما الضرر المادي فإن محاكم الموضوع تخضعه لسلطتها التقديرية إذا ماأثبت الزوج أنه عاجز عن العمل لمرض أو غيره وأن الزوجة هي التي كانت تتكفل بالإنفاق عليه وهذه مسألة واقع لا رقابة فيها للمجلس الأعلى على محاكم الموضوع.
ثم إن الأبناء المستحقين للتعويض في حالة وفاة الأم يجب على المحكمة التأكد من كون هاته الأخيرة كانت موسرة، وكانت تنفق عليهم لأن فلسفة مدونة الأسرة تقوم على تقاسم المسؤولية حيث نصت مدونة الأسرة على أنه ضمن أهدافها إنشاء أسرة تحت مسؤولية الزوجين"ونصت المادة199 "على أنه إذا عجز الاب كليا أو جزئيا عن الإنفاق على أولاده،وكانت الأم موسرة وجبت عليها النفقة بمقدار ماعجز عنه الأب".وهكذا فإن المجلس الأعلى في قراره الصادر في 14يناير1992 المنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد46 ملف 1898/89 .
- كما أننا نجد ان محكمة الاستئناف بفاس قد قررت تعويضا عن الضرر المادي بالنسبة للأبناء من أم طبيعية رغم أن نفقتهم من زاوية مدونة الأحوال الشخصية لا تجب على والدتهم. ملف جنحي سير عدد 960/10 قرار صادر بتاريخ 14/3/2011 قرار غير منشور.

 الفقـرة الثانية: المستثنون من التأميـن وحالات انعدام الضمــان
   
    لما كان التأمين الإجباري على السيارات هو إحدى الوسائل الرئيسية لضمان تعويض المتضررين. إذ غالبا ما تعرف الملفات التي ينعدم فيها التأمين تعثرات فإن مجال المستثنيات  يعرف تجاذبا قويا بين شركات التأمين مـن جهـة، وبين المضرورين من جهة أخرى فكل توسع في تأويل بنوده ومفاهيمه قد يجهز على ما تبقى من حقوق للضحايا بعد صدور ظه 2-10-1984 لذا سنحاول أن نقف على موقف القضاء في هذا الباب .
لقد نص المشرع المغربي على حالات استثناء من الضمان تخول للمؤمن التحلل من ضمان المسؤولية المدنية للمؤمن له سواء في القرار الصادر بتاريخ 25/1/1965 أو قرار وزير المالية والخوصصة رقم 857.05 بتاريخ 11 أبريل 2005 أو قرار وزير المالية والخوصصة رقم 1053/06 بتاريخ 26 ماي 2005 الذي نسخ القرار الأخير ودخل حيز التنفيذ ابتداءا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية  بتاريخ 26/06/2006 .إن هذه الاستثناءات منها ما يتعلق بالسائق ومكتتب العقد والمؤمن ومنها مايتعلق بالأشخاص المنقولين والبضائع والعربات والمخاطر .المادة 124 .وهكذا نجد أن القضاء تصدى لحالة سياقة العربة دون إذن مالكها حيث جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 231 صادر بتاريخ 6/03/1980 ملف جنحي رقم 10143 '' إذا كانت شركة التأمين لا تلزم بالضمان في حالة ما إذا كان سائق الناقلة المؤمن عليها لا يتوفر وقت الحادث على رخصة السياقة أو كانت عديمة الصلاحية قانونا فإن قيادة الناقلة بدون علم المؤمن له تلزم الشركة بالضمان '' .
وقد أضاف المجلس الأعلى في قرار آخر شرط عدم صدور أي إهمال أو تقصير في الحراسة أو كونه مسؤولا مدنيا عن مرتكب الحادث، قرار 2628 الصادر بتاريخ 18/4/1985 الذي جاء فيه :
 '' لهذا فشركة التأمين لا تلزم بالضمان في حالة سياقة السيارة بدون إذن مالكها إلا إذا  ارتكب المالك تفريطا في الحراسة أو كان مسؤولا مدنيا عن مرتكب الحادثة التي ساقها بدون إذنه''[10]  .
 وعاد المجلس الأعلى في 29/05/1986 في الملف الجنحي رقم 4627/84 ليقرر بقيام ضمان المؤمن ولو كان مرتكب الحادثة هو ابن مالك الناقلة إذا كان يقودها بدون علمه       أو بدون رخصة سياقة.
 لقد جاءت هذه القاعدة التي كرسها المجلس الأعلى بتذبذب ملحوظ مقررة ضمـن المادة 4 من الشـروط النموذجية المحددة بقرار 26 ماي 2006 الفقرة التي جاء فيها "غير أن المؤمن يبقى ضامنا للخسائر والأضـرار التي يتسبب فيها الأشخاص الذين يكون المؤمن له مسؤولا مدنيا عنهم بموجب الفصل 88 من ق.ل.ع وذلـك كيفما كانت طبيعة وجسامة أخطاء هؤلاء الأشخاص،كما أنه يثار مشكل بخصوص بيع العربة : وهنا أيضا نجـد أن المجلس الأعلى سبق له وأن قرر بأن"المشتري هو المسؤول المدني ولوقبل إتمام الإجراءات المتعلقة بنقل ملكيتها مادام كان حارسا لها وقت وقوع الحادثة بأن انتقلت إليه سلطة رقابتها وتوجيهها[11]".   وكذلك القرار الصادر بتاريخ 31/1/1989 ملف رقم19171/87 "أن المشتري الذي لم يعمل على تسجيـل السيارة في اسمه يعتبر مسؤولا مدنيا عن الحادثة مادامت الحراسة قد انتقلت إليه بتوفره علـى سلطة الرقابـة والتوجيه".
 و القرار الصادر بتاريخ 16/04/2003 ملف عدد 22767/2002 " حيث جاء فيه "لئن كان المتهم قد اشترى السيـارة أداة الحادثة فإنه مادامت الورقة الرمادية في اسم المالك الاصلي فإن هذا الأخير يبقى هو المسؤول المدني ومؤمنته ضامنة له في أداء ماعليه من تعويض".
وهذه القاعدة جاءت مكرسة في الأخير ضمن المادة 12 من الشروط النموذجية المحددة  بقرار لوزيـر الماليـة والخوصصة المؤرخ في 26ماي 2006 .
أما فيما يتعلق بانعدام الوثائق فسنوردها باختصار.
لقد أكد المجلس الأعلى على أن "رخصة السياقة المعتد بها لسريان التأمين هي الرخصة المطلوبة في النظام الخاص بسياقة الناقلة" قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 55ص409 .
والعبرة هي بالحيازة القانونية لا بالحيازة المادية.قرارا المجلس الأعلى عدد2337 بتاريخ 26/04/1995 ملف مدني  عدد 1937 " لكن حيث إن محكمة الاستئناف لا تثبت لها أن السحب الذي كان قد طال رخصة السياقة المطلوبة
في الطعن كان سحبا مؤقتا من طرف النيابة العامة،اعتبرت ذلك لا يمتد إلى المساس بالحيازة القانونية لرخصة السياقة والتي لا يزول مفعولها إلا بأمر نهائي".
و كذلك نجد أن المجلس الأعلى قد أقر ببقاء التأمين قائما في حالة تخلف وثيقة الفحص التقني
وبالنسبة لشهادة الفحص فقد عثرنا على أكثر من 10 قرارات متضاربة والغالب عليها أن "الغاية من تجديد  الفحص الطبي للسائق هو التأكد من سلامته البدنية وعدم تجديد الفحص يعد مخالفة قانونية لا أثر لها على التأمين"[12] .
  كما أننا نجد أن القضاء تضارب بخصوص الاستثناء من الضمان المتعلق سواء بعدد  الأشخاص المنقولين والنقـل بمقابل او بتحديد مفهوم الغير.وقد جاءت قرارات المجلس الأعلى أيضا في هذا السياق متضاربة خاصة قبل التعديل الذي جاءت به مدونة التأمينات المادة 124 وكذا المادة 4 من الشروط النموذجية العامة لعقد التأمين المحددة بقرار 26ماي 2006،حيث لم يعد الأزواج وأصول وفروع المؤمن مستثنون من التأمين .
وقد سبب هذا المشكل قبل تعديله تناقضات صارخة زكاها الاختلاف الذي كان في الصياغة بين النص العربي والنص الفرنسي هذا الأخير كان يوسع من الاستثناءات.(1)
 كما أن الفقرة ()من المادة 4 من الشروط ن.ع.قرار26 .ماي2006 نصت "على أنه لا يضمن عقد التأميـن الأضرار التي تسببت فيها العربة المؤمن عليها إذا كانت تستخدم للنقل بعوض عندما يكون العقد غير مبرم لتأمين عربة مصرح بها لمثل هذا الاستعمال،كما أن المادة الأولى من القرار عرفت تاشخص المنقول بدون عوض بكونه هو راكب ينقل بدون أجر حتى ولوتم نقله من طرف المؤمن له قصد قضاء عمل مشترك أو يساهم في صوائر الطريق دون أداء واجب النقل.وهنا أيضا نجد بلحرا متلاطما من القرارات التي تضاربت بخصوص هذه النقطة.
 

  المطلب الثاني : مسطرة الحصول على التعويض.

 الفقرة الأولى :خصوصية مسطرة الحصول على التعويض.

 على خلاف ما تقضي به القواعد العامة التي تجعل من الصلح أمرا اختياريا لايجبر عليه صاحب المصلحة فإن المادة 18 من الظهير فرضت في حالات معينة على الضحية أن يطلب الصلح من شركة التأمين قبل رفع الدعوى وهذه الحالات هي كالتالي:
     -حفظ النيابة العامة للمحضر المنجز للحادثة .

ـــ فوات فرصة تدخل الضحية طرفا مدنيا في الدعوى العمومية الجارية بمناسبة الحادث.
ــ اختيار الضحية الطريق المدني .
ــ عند إقامة الدعوى بواسطة شكاية مباشرة.
ولقد انقسمت الآراء بخصوص هذه النقطة , هل عدم سلوك مسطرة الفصل 18 يؤدي إلى عدم قبول الدعوى ؟ نجد أن القضاء انقسم بدوره بخصوص هاته النقطة ولا زال بعض القضاة إلى يومنا هذا غير مستقرين على رأي .فإذا كانت هناك قرارات تسير في اتجاه الإجبار فإننا نجد قرارات أخرى تسير عكسها.ومن ذلك القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 12/02/1998 عدد990في الملف المدني عدد 4464/61الذي جاء فيه . " لكن حيث إن الفصل 18 من ظهير 02-10-1984 وإن أوجب على المتضرر مطالبة شركة التأمين بالتعويض قبل اللجوء إلى المحكمة  إلا أنه لم يرتب أي جزاء على عدم احترام هذه المقتضيات مما يبقى معه للمتضرر حق اللجوء إلى المحكمة للمطالبة بحقوقه وأن محكمة الاستئناف لما صرحت بأنه بالنسبة للفصل18 المتوخى منه هو التعجيل بمنح التعويضات للمصابين وتخفيف عبء قضايا السير عن المحاكم والعدول عن هذه المسطرة ليس من شأنه أن يلحق ضررا ما لا بشركة التأمين ولا بالمتضرر ..تكون قد طبقت الفصل 18 من الظهير تطبيقا سليما"[13]
كما وأن هناك قرارات أخرى صدرت في نفس الاتجاه منها القرار عدد 4751 بتاريخ 14/10//1999. إنه و بغض النظر عن غياب ترتيب جزاء عن عدم احترام مقتضيات المادة 18 فإن المادة 49 من قانون المسطرة المدنية تقرر بأنه " لا طعن بدون ضرر" و أن المجلس الأعلى في حيثياته المتواترة يرد عددا من الطعون الشكلية بعلة عدم تضرر الطرف الطاعن منها حتى و إن كانت مخالفة للقانون و في مواد تعتبر مجالاتها خطيرة كما هو الحال مثلا في الطعن في بعض المقتضيات الشكلية لمحاضر الضابطة القضائية المنصوص عليها ضمن قواعد قانون المسطرة الجنائية.
و عليه فنحن نسير مع الرأي الذي يرى بعدم إلزامية احترام المادة 18 من قبل المتضرر لأنها و طبقا لمنطق الظهير إنما أتت لحمايته و لتسريع حصوله على التعويض و ذلك يتبدى من خلال الفصول التي تليه. مما يحدونا إلى معالجة التقادم و الجزاءات عن التماطل في أداء التعويض.
-          الفقرة الثانية: التقادم و الجزاءات عن التماطل في أداء التعويض
التقادم :
" إن دعوى التعويض من جراء جريمة أو شبه جريمة تتقادم بمضي خمس سنوات" المادة 106 من ق ل ع و يبدأ سريانه من تاريخ وقوع الضرر و بعلم المتضرر المسؤول عن هذا الضرر.
فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى عدد 311 في 30/06/78 ملف مدني 34686 "العلم بوقوع الضرر لا يكفي لافتراض العلم بمن تسبب في الضرر" و إذا لم يكن هناك دليل آخر، فإن التقادم الخماسي يبتدئ من تاريخ تقديم الدعوى المطالبة بتعويض الضرر[14].
كما جاء في قرار آخر "إن الوقت الذي يبلغ فيه إلى المتضرر من هو المسؤول عن الضرر مسألة واقعية تبت فيها محكمة الموضوع بما لها من سلطة تقديرية" . و لقد نصت المادة 23-10-1984 على آجال أخرى للتقادم فجعلت التقادم في ثلاث سنوات من تاريخ رفض شركة التأمين منح التعويض المقترح[15].

الجزاءات عن التماطل في أداء التعويض

لقد تردد القضاء كثيرا بخصوص هذه الجزاءات و إذا كان المشرع قد قرر جزاءات إدارية و أخرى جعلها حقا للمتضرر حيث إن الأولى تدخل في إطار مراقبة الدولة لأنشطة مؤسسات التأمين[16]، و ضمانا لحصول المتضررين على التعويضات المستحقة لهم دون تأخير أو تسويف و ذلك بموجب غرامة إدارية. فإن الذي يفيدنا في موضوعنا هو ذلك الاختلاف البين في مواقف القضاء بخصوصه و هي حالة نموذجية لعدم استقرار تطبيق ظه 2.10.1984 منذ ولادته إلى الآن. و نعطي مثالين على ذلك. ففي الوقت الذي يقرر فيه الأستاذ إدريس بلمحجوب هو مستشار بالمجلس الأعلى و قام بعمل جبار في تجميع قرارات المجلس الأعلى الصادرة بغرفتين أو بجميع الغرف, "إن تفسير الفصل 21 من ظه أكتوبر 1984 يجب أن يبقى مجاله هو التنفيذ الحبي و لا يجب أن ينصرف إلى التأخير في تنفيذ الأحكام القضائية وعلة ذلك في نظره ان الأحكام الباتة في هذا الشأن تكون مقرونة بالفوائد القانونية وأن من شأن الحكم بالتعويض عن تنفيذ الأحكام يعني مضاعفة مبلغ ذلك التعويض  فضلا عن ذلك فإن تفسير الفصل 21 من القانون المذكور يتعلق بالضوابط الواجب اتباعها في طلبات التعويض الموجهة من طرف المصابين إلى مؤسسات التأمين المعنية قبل إقامة أي مطالب قضائية .
وبعد أن كادت الأمور تستقر على هذا الرأي فوجئنا بالقرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 6-12-2010 في الملف المدني عدد 3373/1/5/2005 قرار رقم 5016  وقد تم إصداره بغرفه مجتمعة  وجاء فيه[17]" إن مقتضيات الفصل21 من ظهير 02-10-1984 المتعلق بتعويض المصابين في حوادث تسببت فيها عربات برية ذات محرك  والتي تنص على أنه إذا لم تدفع مؤسسة التأمين جميع أو بعض ما عليها من دين ثابت ومصفى بمقتضى أحكام القانون استحق المستفيدون تعويضا لا يتجاوز %50 من البالغ المحجوزة بغير موجب ،جاءت بصيغة عامة ومطلقة ،مما يؤكد شمولها بتنفيذ جميع أنواع التعويض المنصوص عليها في القانون المذكور ، بدون استثناء وبالتالي لا يصح قصرها على حالة إبرام صلح بين ضحايا حوادث السير ومؤسسات التأمين"[18]























المبحت الثاني : تقدير التعويض عن حوادث السير في ضوء العمل القضائي المغربي
لما كان التعويض عن حوادث السير يكتسي خصوصيات عدة ويطرح إشكالات متعددة  على المستوى العملي خاصة في جانب استحقاقه الذي عرضنا له في المبحث الأول، فإن نفس الأمر ينطبق على تقدير التعويض وبالتالي فإن أخذ نظرة شاملة على موضوعنا اقتضى منا التطرق لهذا الجانب، وحيث أن عرضنا ينكب بالأساس على دراسة وجهة نظر القضاء في مسألة التعويض فإن تحديدنا للعناصر المعتمدة في تقديره كان على أساس العمل القضائي و قد اتضح لنا أن القضاء المغربي لا يقدر تعويضا معينا إلا بعد ثبوت مسؤولية مرتكب الحادث و تحديد نسبتها في حالة اقترانها بخطأ الضحية وعلى هدا الأساس فقد آثرنا التطرق
لإثبات المسؤولية و تشطيرها في مطلب أول، كما اخترنا أن نتطرق في مطلب ثان للخبرة باعتبارها أداة أساسية يعتمدها القضاء في تقدير التعويض.

 المطلب الأول: إثبات المسؤولية و تشطيرها
الفقرة الأولى : اثباث المسؤولية  في مادة حوادث السير .
سنتطرق في الأول الى اثباث المسؤولية الى أهم العنصرين الذين تتأسس عليهما المسؤولية في التعويض عن حوادث السير و هما الخطأ و الحراسة
أولا : على أساس الخطأ :
تنص م 78 من ق.ل.ع على : " كل شخص مسؤول " عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه ، لا بفعله  فقط و لكن بخطأ أيضا و ذلك عندما يثبث أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر و كل شرط مخالف لذلك يكون عديم  الاثر . و الخطأ هو ترك ما كان  يبين فعله . أو فعل ما كان يجب الامساك عنه . و ذلك من غير قصد لاحداث الضرر'' انطلاقا من هذه المادة . يتجلى الخطأ عن طريق اخلال الشخص بالتزام قانوني مع ادراكه لهذا الالتزام و قد يكون نتيجة الاهمال وغير قصد الأضرار ، وقد يكون الخطأ ايجابيا يقوم على فعل ما كان ينبغي الامتناع عنه أوخطأ سلبيا يكون فيه فعل المخطئ عملا سلبيا  يقوم على ترك  ما كان يجب عمله.
على ضوء هذه  المقتضيات، قضى المجلس الاعلى في قراره رقم 746 الصادر بتاريخ 1 دجنبر 1982 بتحميل المتضرر جزءا منالمسؤولية بسبب الاتباكه لخطأ ساهم في وقوع الضرر، حيث حكم برفض الطلب الرامي الى تحميل مرتكب الحادثة كامل المسؤولية وذلك  لكون الهالك لم يأخذ الاحتياط رغم حقه في الأسبقية ، و هو ما صار عليه الحكمالصادر بتاريخ 19 أكتوبر 2011 عن المحكمة الابتدائية بفاس و ذلك لكون المدعية تتحمل جزءا من المسؤولية في الخطأ الناتج لعدم تحكمها و تمكنها من ايقاف السيارة في الوقت المناسب.
اما فيما يخص اثارة المحكمة لعنصر الخطأ من عدمه . فان عدم اثارة و منافسة  المحكمة  لهذا العنصر في جلب جوابها  يفعل قرارها ناقص التعليل وقابلا للنقض و هذا ما يظهر بالرجوع الى قرار 1750/11 بتاريخ 13/06/2001حيث أن المجلس الأعلى اعتمد في قراره على أن عدم اجابة المحكمة على الدفوع المرتبطة بالمسؤولية ومناقشتها يجعل القرار ناقص التعليل و قابلا للنقض و من هنا يظهر الاهمية البالغةلاثارة عنصرا الخطأ ضمن الدفوع المتقدم به، لكن المسؤولية لا تقوم بالاساس على عنصر الخطأ فقط بل تتأسس كذلك على عنصر الحراسة وهذا ما سنتطرق له في النقطة الموالية
ثانيا : على أساس الحراسة .
تقوم المسؤولية على حراسة العربة باعتبارها شيئا من خلاله م 88 ق ل ع و بمقتضاها يسأل كل شخص عن الضرر الحامل من الاشياء التي في حراسة  اذ تبين ان هذه الاشياء هي السبب المباشر في للضرر وذلك ما لم يتيبن أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر و أن الضرر يرجع  اما لظرف طارئ أو قوة قاهرة أو لخطأ المتضرر و على هذا الأساس  فان مسؤولية حارس العربة قوامها الخطأ المفترض و اعتبرها المشرع قرينة قاطعة لا يجوز دفعها الا بتوافر الشرطين المنصوص عليهما في  م 88  ق. ل.ع .
و على ضوء ذلك  قضى المجلس الأعلى في قراره عدد 240 بتاريخ 240 بتاريخ 13 ماي  1970 على أنه لا يكفي أن يطلب من الحارس عدم ارتكابه الخطأ بل المطلوب منه القيام بعمل ايجابي و اتخاذ احتياطات خاصة تفرضها الظروف لتجنب الحادث .كما قضى بتخفيض السرعة يندمج في الاحتياطات اللازمة عند التقابل بأن الحكم بالبراءة يثبث عدم خطأ السائق و لا يعفي حارس السيارة من المسؤولية وذلك في القرار المدني الصادر بتاريخ 11 مارس 1970. و في نفس الصدد قرر عدم كفاية الاعتماد على الخطأ لتوزيع المسؤولية الحادثة مناصفة بل يتعيين على  المحكمة تبيان هل قام حارس السيارة كل ما في استاعته لتجنب الحادثة  اقرار عدد 160 بتاريخ 18 مارس 1970.
و اذا كان دفع المسؤولية طبقا للمادة  88 لا يتحقق الا بتوفر الشرطين المنصوص عليهما و لم يطرح اي اشكال في التطبيق فان الركن المعنوي في الخطأ و المتمثل في الادراك و التمييز كانّ أخذ ورد  سواء على صعيد محاكم الموضوع أوعلى صعيد قرارات المجلس الأعلى . ذلك أنه لما كانت المادة 77  تجعل كل فعلارتكبه الانسان على بينة و اختيار شرطا لتحمل المسؤولية فان الفصلين 96و 97 يجعل القاصرين وذوي العاهات لا يسألون عن الأضرار الناتجة  عن افعالهم الا اذا توافرت لهم من التمييز الدرجة اللللازمة لتقدير نتائج اعمالهم طبقل للفصل 96 الذي ينص على أن القاصر عديم التمييز لا يسأل عن الضرر الحاصل بفعله. و مع ذلك فان القضاء المغربي و على رأسه المجلس الأعلى كان يقضي بفكرة تشكيل المسؤولية كلها كان أحد  المخطئيين طفلا و لوكان غير مميز وعليه فمن رأي من ينادي بالانطلاق من الضرر الى الخطأ و ليس العكس جاعلا أساس المسؤولية هو الضرر و ذلك لحماية للضحية  من الضرر وليس من الخطأ، و قد قررت الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى مسؤولية الاب الناتجة عن تفريطه في حراسة الضحية الغير المميز مؤكدا أن على عدم القاضي أن يتأكد اولا من وجود تصرف خاطئ للضحية عديم التمييز. و قد استقر موقف الغرفة المدنية بالمجلس الأعلى الى غاية سنة 1966 على عدم مسؤولية الشخص الغير المميز ليس فقط  عن الأضرار التي يلحقها بالغير و انما حتى بالنسبة للأضرار مسؤول  عليها شخص اخر و بالتالي لا يمكن أن تنسب مسؤولية عربة حارس غير مميز سواء كانت مسؤولية مرتكب الحادث مؤسسة على الخطأ الشخصي الثبوت 78 أوعلى الخطأ المفترض م 88 و قد جاء في القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 1977/1/12 ملف عدد 35211 أن مناط مسؤولية الضحية هو الخطأ و مادام الضحية طفلا غير مميز لا يتصور صدور أي خطأ منه و حتى على فرض قيام الضحية بأعمال ساهمت في وقوع اصطدام فانها لا توصف بكونها خطأ بالمعنى القانوني يقتضي تحميله  مسؤولية الحادث . و قضى بأن الصغير الغير المميز الذي وقع ضحية حادثة سير لا يتصور ارتكابه اي خطأ حتى و لو قام بأعمال ساهمت في وقوع الحادث و ذلك لانعدام ادراكه و تمييزه ( قرار عدد 4478 بتاريخ 30/06/1998 ) .
و لما كان من شروط مسؤولية  حارس العربة  اي الشيئ أن يتولى شخص حراستها و أن تحدث العربة ضرر للغير فان الحراسة تدل على السلطة الفعلية في الرقابة و التوجيه و التصرف و ليس بالضرورة  أن يكون حارس العربة  هومن يحوزها حيازة مادية كما لا يتحتم أن يكون حارس العربة من يتمتع بالحيازةالقانونية .
فقد ورد في قرار المجلس الأعلى عدد 2306/6 بتاريخ 2001/7/11 أنه اذا كان أساس المسؤولية هي الحراسة القانونية دون اعتبار للحراسة المادية بخصوص مقتضيات  م 19 من الشروط النموذجية المتعلقة بنقل الملكية للناقلات ذات المحرك فانه بالنسبة لمن عهد اليهم باصلاح السيارات فان الحراسة المادية تبقى أساس المسؤولية بنص صريح في الفصل الثالت من شروط النموذجية كما اعتبر المجلس الأعلى المشتري الذي لم يعمل على تسجيل السيارت في اسمه حارسا لها وذلك في القرار الجنحي الصادر بتاريخ 1989/1/3 من ملف عدد 19171/87 اذ جاء فيه أن عدم تسجيل السيارة باسم المشتري يمنع من اعتباره حارسا لها يسري عليها عقد التأمين ، و بالتالي لا يستفيد مشتري السيارة الذي لم يعمل على تسجيل السيارة في اسمه و لم  يكن طرفا في ذلك العقد  الذي ينحصر أثره بين عاقديه وكذا الأشخاص المنصوص عليهم في الفصل الثالث من الشروط النموذجية من عقد التأمين .ان المشتري الذي لم يعمل على تسجيل السيارة في اسمه يعتبر مشؤولا مدنيا على الحادثة .مادمت جراسته للسيارة قد انتقلت  اليه بتوفره على سلطة الرقابةوالتوجيه وترتيبا على ذلك فان المجلس الأعلى خلافا لما هو مقرر قانونا بالنسبة لملكية  العربات ذات محرك فان ملكيتها لا تنتقل الا بالتسجيل خلافا للقاعدة القائلة بأن الحيازة في المنقول سند الملكية و قرر أن الحراسة تكون لمشتري العربة حتى و لو لم يتم تسجيلها استنادا الى ان سلطة الرقابة و التوجيه قد انتقلت اليه.

الفقرة الثانية : تشطير المسؤولية
يقوم هنا الاشكال حول فراغ الفقرة الثانية من المادة الرابعة من ظهير 1984 من اخضاع التعويض المستحق لأصحابه لمبدأ التشطير المسؤولية وهو ما يدفع للتساؤل هل هو خاضع لهذا المبدأ أم لا ؟ . خاصة و أن المشرع نص بصفت صريحة في باقي المواد بالنسبة للتعويضات الأخرى لمبدأ تشطير المسؤولية في المواد 3و5و10و11 من ظهير 1984  وهنا يطرح التساؤل كيف تعامل المشرع مع هذا الفراغ ؟ .
بالنسبة لمحاكم الموضوع فقد عرفت تضاربا و تناقضا فيما يخص تطبيق مقتضيات الفقرة الثانية من المادة الرابعة من الظهير .
فبعض المحاكم اتجهت الى ضرورة اخضاع التعويض عن الضرر المعنوي لمبدأ تشطير المسؤولية بحيث نجدها تخضع التعويضات الأخرى لهذا المبدأ و تحكم بكامل التعويض عن الضرر المعنوي مستبعدة بذلك اخضاعه لهذا المبدأ .
لكن محاكم أخرى تبنت توجه اخضاع التعويض عن الضرر المعنوي لمبدأ   تشطير المسؤولسية .
أما بالنسبة للمجلس الأعلى فلم يقرر القاعدة بخصوص مسالة المسؤولية و التعويض  عن الضرر المعنوي اذ نجده في قرار 7417 الصادر في 1991/7/4  يذهب الى تأييد قضاة الموضوع في اعتبار التعويض عن الضرر المعنوي لا يخضع لمبدأ تشطير المسؤولية  . لكن سرعان ما تراجع المجلس عن هذه القاعدة من خلال قرار له صادر بتاريخ 1993/2/9 حتى نقض الحكم الاستئنافي القاضي بالتعويض الكامل و بذلك توجه نحو اخضاع الضرر المعنوي لتشطير المسؤولية . وهكذا استقر المجلس على هذه القاعدة الى حدود 1995  حيث قضى في قرار بعدم اخضاع التعويض المعنوي لتشطير المسؤولية و بقي عليها الى حدود 2003 عندما قضى باخضاع التعويضات المعنوية لمبدأ  تجزئة المسؤولية ومن هنا يتضح أن المجلس الأعلى لم يستقر هوكذلك على قاعدة واحدة من أجل رفع الاختلاف وتوحيد المقتضيات القانونية .  






































المطلب الثاني: الخبرة

وجب التنبيه في هدا المقام إلا أننا سنتناول مفهوم الخبرة الحسابية بمعناه الواسع ونقصد به العمليات التي تهدف إلى تحديد أجر الضحية انطلاقا من موارده المالية بهدف تقدير التعويض المستحق له إذن فالخبرة الحسابية بهدا المعنى عملية لاحقة و متممة لكل المراحل التي سبق و تطرقنا لها في تقدير التعويض وأيضا كما كان الشأن بالنسبة للمراحل السابقة فإننا سنتطرق للعمل القضائي المغربي في هدا المجال وانطلاقا من الإشكالات التي يثيرها فإننا  سنتطرق لمفهوم الأجر و الكسب المهني كعنصر أساسي معتمد في الخبرة الحسابية (أولا) ثم السلطة التقديرية للقضاء في إطار الخبرة الحسابية (ثانيا)
أولا: تحديد مفهوم الأجر و الكسب المهني
كما سبق و قلنا فإن عنصر الأجر أو الكسب هو أساس تقدير التعويض  كما تم النص عليه في المادة الخامسة من ظهير 12 أكتوبر 1984 و عليه فإن تحديده يشكل بوابة تقدير التعويض غير أن العمل القضائي المغربي لم يستقر على تحديد عناصر معينة للأجر أو الكسب المهني  و إنما اختلف في تقديرها بحسب الحالات و التي سأعرض لأهمها في هذه النقطة
1.    حالة المعاش
لقد كانت الصياغة الملتبسة للمادة 5 سببا في تضارب الأحكام و القرارات القضائية بخصوص استحقاق التعويض على أساس الأجر أو الكسب المهني حتى امتد  الأمر إلى معاش التقاعد، حيث أنه هناك من القرارات القضائية من ذهبت إلى عدم امتداد المعاش التقاعدي لعناصر تكوين الأجر ومثال ذلك ما ذهب إليه المجلس الأعلى في قراره عدد2692 بتاريخ 11/4/1995 في الملف الجنحي عدد 19111/93 و كدا القرار 776 بتاريخ 16/04 1995 في الملف الجنحي عدد  22339/92 و الواقع أن هدا الأمر فيه ظلم لهدا النوع من الضحايا خصوصا في حالة ما إذا كان معاشه أكبر قيمة من الحد الأدنى للأجرو خصوصا وأن المشرع لم ينص صراحة على استثناء المعاش من العناصر المكونة للأجر،فلماذا اتخد المجلس الأعلى هدا الموقف إذن؟ خصوصا وأن هناك قاعدة معرفة في القانون المدني مفادها أن الشك يفسر لفائدة الطرف الضعيف. و في هدا الصدد فقد تدارك المجلس الأعلى الأمر عندما أصدر قرار صادرا بغرفتين بتاريخ 24 نونير 2004 تحت عدد  3378 في الملف المدني عدد 4208/1/7/97 حيث اعتبر المعاش في حكم الراتب الحقيقي و استنذ في ذلك إلى أن الجدول المحدد في ظهير 1984 لم يحدد الرأسمال المقابل لسن المصاب و لم يقيده ببلوغ سن التقاعد بل حدده في الخامسة و الخمسين فأكثر"                   


2.    حالة كون الضحية متعدد الدخل
كما هو الشأن بالنسبة لحالة المعاش فإن من أهم الحالات التي لا تتضح فيها عناصر الأجر أو الكسب المهني بشكل دقيق الحالة التي يكون فيه الضحية متعدد الدخل و التي لها علاقة بالمادة 7 من ظهير 1984 كأن يكون موظفا يتقاضى اجرا من الدولة وله نشاط فلاحي يدر عليه كسبا إضافيا وقد أثارت هده النقطة العديد من الإشكالات خاصة في ظل عدم استقرار العمل القضائي المغربي على موقف محدد و مثال ذلك ما ورد في قرار رقم 3112 صادر بتاريخ   13 يونيو 1995 موضوع الملف المدني عدد 94/2059 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى المادة المدنية 58-96، ص 277   و الذي ميز فيه القضاء بين الدخل الذي تضرر بسبب الحادثة و توقف و بين الدخل القار الذي لم يتضرر وقرر بالتالي أن احتساب التعويض يجب أن يتم على أساس الدخل الذي توقف دون ذلك الذي بقي قارا.  وفي حالة مشابهة  فقد أقر القضاء المغربي من خلال الحكم جنحي سير  صادر بتاريخ 1 مارس 2001 موضوع الملف عدد 00/51 و القرار صادر عن محكمة الاستئناف آسفي تحت عدد 145 موضوع الملف الجنحي سير عدد 00/42 و تاريخ 8 أبريل 2001 بالاكتفاء باعتماد الدخل الصافي الشهري بعلة أن الضحية الموظف يحظر عليه ممارسة نشاطات بموازاة نشاطه كموظف، و الواقع أن الأساس هنا جاء مختلفا عن الحالة السابقة و التي يبدو من خلالها أن القضاء سعى إلى تحقيق التوازن بين مصلحة المؤمن و الضحية فإن الأمر في الحالة الثانية يضر بمصلحة الضحية إذ أن القضاء تغافل هنا عن مفهوم الدخل الحقيقي والذي يشمل في هذه الحالة كل العناصر المكونة للأجر وتدرع بكون الضحية موظفا لا يحق له  ممارسة نشاط ثانوي، في نظرنا فإن الأمر هنا هو تعسف في استعمال القانون لأجل تغليب مصلحة شركة الـتأمين فلو تم الأخذ بتوجه المجلس الأعلى الذي تم إيراده في القرار السابق لتم اعتماد الدخل عن النشاط الفلاحي كأساس للتعويض .

3.    حالة كون دخل الضحية يخضع للتصريح الضريبي
حالة ثالثة تثير أيضا الكثير من الإشكالات وهي حالة كون دخل الضحية يخضع لدخل الضريبي أي حالة دخل أصحاب المهن الحرة و أساس كل الإشكالات عنا يتبلور حول الكسب الواجب اتخاذه كأساس لتحديد التعويض هل الكسب الخام أم الكسب الصافي وكغيرها من الحالات السابقة فإن هذه الحالة لم تسلم من تضارب العمل القضائي بشأنها و على سبيل المثال قرار المجلس الأعلى  عدد 201 بتاريخ 2 مارس 1998 في الملف الجنحي عدد 5640 الذي جاء فيه بأن  الدخل و الكسب المهني المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة الخامسة من ظهير 2أكتوبر 1984 بالنسبة لأصحاب المهن الحرة هو الربح الصافي الخاضع للضريبة وكذا القرار عدد 11/1523 المؤرخ في 18/04/2001 في الملف الجنحي عدد 2000/10993 حيث قرر المجلس الأعلى إمكانية تحديد دخل أصحاب المهن الحرة أو كسبهم المهني باعتبار الربح أو الدخل الصافي الخاضع للضريبة و ذلك بعد خصم المصاريف مجاراة للأجر الصافي بالنسبة لأجر الموظفين ثم القرار عدد 1106/11 بتاريخ 25/09/2002 في الملف الجنحي عدد 4837/2002 حيث نص القرار على ما يلي: "إن اعتماد المحكمة في احتساب التعويض على الأجر الصافي المثبت بشهادة اجر المصاب من غير اعتبار منها لمبلغ الاقتطاعات المؤقتة بسبب ما عليه من قروض يجعل قرارها ناقص التعليل و خارقا للمادة الخامسة من ظهير 02/10/1984 وبالتالي معرضا للنقض" و الذي جاء معرضا للقرارين السابقين



ثانيا: إثبات الدخل و السلطة التقديرية للمحكمة بشأن وسائل إثباته
بعد التطرق لعناصر الأجر و الكسب المهني و التدقيق فيها حسب العمل القضائي المغربي كان لا بد من معرفة ماهية العمل القضائي بخصوص إثبات عناصر هدا الدخل حتى تكتمل لنا الرؤية وهو ما سنعمل على تبيانه من خلال نقطتين نعرض في الأولى للمكلف بإثباته    وكيفيته ثم تعامل القضاء مع وسائل إثباته و بالأساس شهادة الأجر خلال النقطة الثانية.
1.    إثبات الأجر أو الكسب المهني
من خلال استقراء العمل القضائي المغربي يتبين أن إثبات الأجر أو الكسب المهني ضروري لتقدير التعويض مادام أنه دخل الضحية هو أساس احتساب هدا التعويض وذلك من خلال عدة قرارات كالقرار الصادر عن المجلس الأعلى عدد 2/1431 بتاريخ 19 شتنبر 2001 في الملف الجنحي، عدد 99/10205 وجوب إثبات المصاب للأجرة و كسبه المهني بهدف تحديد الرأسمال و يتم هدا الإثبات بتقديم المصاب باعتباره الطرف المدعي المتحمل لعبء الإثبات لكل الوثائق التي تثبت أجره وبالأساس شهادة الأجر أو الدخل غير أنه قد يتوفى المصاب و يتعذر على دوي حقوقه إثبات دخله  وفي هذه الحالة و غيرها من الحلالت التي يتعدر فيها إثبات الأجر أو تقدير قيمته يحق للمحكمة إما تلقائيا أو بطلب من دوي الحقوق تعيين خبير لتقدير دخل الضحية ومثال ذلك ما جاء في قرار المحكمة الاستئنافية بالبيضاء عدد 4969 الصادر بتاريخ 24/12/ 1986  الذي جوز  إمكانية الاستعانة بخبير لتقدير دخل الضحية حيث جاء فيه "يجوز للمحكمة أن تستعين بخبير لتقييم الدخل الشهري للضحية عن عمله  الثانوي المتمثل في سياقة الأجرة في غياب العناصر الكافية لإثبات ذلك" و في هذا الإطار فقد ذهب قرار للمجلس الأعلى[19] إلى ضرورة تعزيز تقرير الخبير بالوثائق المثبتة للدخل حيث جاء فيه " و حيث من جهة أخرى فإن القرار المطعون فيه قد اعتمد فيها الخبير على مجرد تصريحات دون تعزيزها بوثائق تجارية أو إدارية أو ضريبية مما جاء معه الحكم ناقص التعليل و معرضا للنقض" وقد يطرح التساؤل هنا خول مدى أهمية الاستعانة بخبير لتقدير الدخل إذا تم إلزامه بإرفاق تقريره بالوثائق الملزمة للدخل مع العلم أن الأصل في تعيينه هو عدم التوصل إلى وثائق تثبت الدخل؟


2.    السلطة التقديرية المطلقة للمحكمة و علاقتها باختيار شهادة الأجر و الاعتداد بها
إذا كانت سلطة المحكمة التقديرية محدودة فيما يخض تقدير التعويض نظرا لتقييدها بمقتضيات ظهير 12/10 1984 فإن سلطتها التقديرية تظل مطلقة بخصوص وسائل إثبات العناصر تقدير الضرر وفي هدا الصدد فقد صدرت عدة قرارات عن المجس الأعلى تكرس هدا الاتجاه وعلى سبيل المثال القرار عدد 581/11 بتاريخ 02/03/2003 في الملف الجنحي عدد 25147/2002 المنشور بقرارت المجلس الأعلى المادة الجنائية 61-97 في  ذكراه الأربعينية ص 137  و الملاحظ من خلال العمل القضائي خاصة قرارات المجلس الأعلى أن هذه السلطة التقديرية على مستوى الأخذ بوسائل الإثبات قد تنصرف إلى النص على ضرورة اعتماد شهادة الأجر بالأساس أو أي وثيقة رسمية ثتبت عناصر الأجر قبل اعتماد الحد الأدنى المحدد في الجدول الملحق بظهير 1984، كما تنصرف في بعضها الآخر إلى استبعاد شهادة الأجر و إعمال الحد الأدنى للأجر كأساس لاحتساب التعويض وهاته الحالات هي ما سنتناول في هذه النقطة
ففي إطار الاتجاه القضائي الذي يقول بوجوب الاعتداد بشهادة الأجر وعدم استبعادها نجد القرارعدد 7356 الصادر بتاريخ 15/01/1991  أيضا على سبيل المثال محكمة الدار البيضاء التي سارت في نفس الاتجاه من خلال  قرارين لها بتاريخ 26/05/1993 و كذا 8/12/1993 نصت فيهما على أنه لا مجال لعدم إعمال شهادة الأجر مادام أنها تتصف بطابع الرسمية في معنى الفصل 418 من قانون الالتزامات و العقود ثم وجوب الاعتداد بشهادة رسمية مستظهر بها من طرف الضحية تتضمن راتبه الشهري و سنة وقوع الحادثة و بالتالي فكل دفع أو طلب من قبل شركات التأمين بعدم إعمال الوسيلة السابقة يكون مرفوضا، و يلاحظ من خلال هادين القرارين أن محكمة البيضاء أرست قاعدة في صالح الضحية الذي غالبا ما يكون طرفا ضعيفا في الدعوى ميسرة عليه إثبات أجره وبالتالي فقرار المحكمة هنا كان أقرب إلى الإنصاف و العدالة.  وقد أكد المجلس الأعلى هدا التوجه و إن كان ذلك من خلال مبدأ تمتع المحاكم بسلطة تقديرية واسعة في تقييم شهادات الأجر ومثال ذلك القرارعدد 5 الصادر بتاريخ 05/01/2005 حيث نص على أنه مادامت الضحية قد أثبت دخله طبقا لمقتضيات الفصل 399 من قانون الالتزامات و العقود المغربي فإن المحكمة عندما اعتمدت شهادة الدخل المدلى بها من طرف الضحية تكون قد استعملت سلطتها التقديرية في تقييم الحجج و اعتبرتها كافية لإثبات الدخل.
القرار عدد 11/1420 بتاريخ 11 /12 2002 في الملف الجنحي عدد  2002/6351    حيث نص القرار على ما يلي: " إن استبعاد شهادة الأجر التي تفيد أن للضحية أجرة مهنية قارة طبقا للفصل السادس من ظهير 02 / 10 1984 واعتمادها الحد الأدنى للأجر في احتساب التعويض يجعل قرارها ناقص التعليل و معرضا للنقض" وهو ما يكرس توجه الذي يقضي بضرورة اعتماد شهادة الأجر واعتمادها أولا  في حالة وجودها.









خاتمة :
لقد تبين لنا من خلال ما سبق عدم استقرار القضاء المغربي على تأويل معين لمقتضيات ظهير 1984، سواء على صعيد استحقاق التعويض أو تقديره، مما نتج عنه اضطراب في تطبيق هذه المقتضيات  و تضارب بخصوص الأحكام و القرارات الصادرة بهدا الشأن.
على هذا الأساس يمكننا القول بأن ظهير 1984 أصبح يؤدي دوره معكوسا إذ عوض تحقيق مصلحة الطرف الضعيف ( المضرور) من جهة و تحقيق التوازن بين المضرور و شركات التأمين و تحقيق نوع من العدالة من جهة أخرى، فإنه أصبح آلية لخدمة مصالح الطرف القوي بشكل عام و حرمان الطرف الضعيف من حقوقه و هذا راجع لكيفية تعامل القضاء المغربي مع مقتضيات الظهير و الإشكالات التي يثيرها.
و أمام هذا الوضع، فإننا ننادي بضرورة مراجعة ظهير 1984 لتوضيح الغموض و رفع اللبس ووضع حد للإشكالات المثارة وتسهيل الأمر على السادة القضاة و مساعدتهم إلى الاهتداء للحلول الصائبة التي تضمن تحقيق مصلحة المضرور الذي غالبا ما يكون طرفا ضعيفا- دون المساس من جهة أخرى بمصالح شركات التأمين في حدود المعقول، خاصة بعد صدور مدونة التأمينات فليس من المعقول في نظرنا أن يبقى الوضع هكذا خاصة في ظل عدم مسايرة ظهير 1984 للواقع وإكراهاته من جهة و لمستجدات مدونة التأمينات من جهة أخرى، فهل سيعمل المشرع المغربي على مثل هدا التجديد خاصة في ظل صدور مدونة السير الجديدة،أم أن الوضع سيستمر على ما هو عليه؟ .


[1] - قرار محكمة النقض 15/06/1902 ذكره  الأمراني زنطار "شرح قانون التأمين رقم 99-17 دراسة نظرية وتطبيقية طبعة2005 ص 331

[2] -جاء في قرار صادر بتاريخ3 أبريل1933 عن محكمة النقض الفرنسية في نازلة مغربية "يكفي أن يلاحظ القاضي أن حادثة السير التي يطالب المضرور بالتعويض عنها بالاستناد إلى الفصل 88 من ق ل ع كان سببها تهور هذا المضرور لكي يعفي الحارس من كامل المسؤولية " مجلة المحاكم المغربية 1933 ص132.
[3] - الأمراني زنطار "شرح قانون التأمين رقم 99-17 دراسة نظرية وتطبيقية طبعة 2005  ص 334
 [4] - الامراني زنطار م .س ص 342
  [5]   كريمة  البوزيدي قضاء المجلس الأعلى و القوانين المنظمة للسير طبعة 2006 مطبعة بني ايزناسن ص 63
  [6]    منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 53- 54ص 460.
[7]    منشور كريمة  البوزيدي م س ص64.
[8]  قرار منشور بمجلة المحامي التي تصدر عن هيئة المحامين بمراكش عدد 23/24 ص 69 .
[9]   إدريس بلمحجوب " قرارات المجلس الأعلى بغرفتين أو بجميع الغرف »  الجزء الرابع.
 [10]  منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 39 ص 229
[11]   منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 28ص21.
[12]  منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 45 ص364 .
[13]  أوغريس م س  ص 361
[14]  مجلة القضاء و القانون عدد 129 ص 102 التسولي ص87
[15]  قرار عدد 373 صدر بتاريخ 27/01/2000 منشور بمجلة الندوة عدد 16 ص 72
[16]  فؤاد معلال الوسيط في قانون التأمين دار أبي رقراق للطباعة و النشر ط 2011 ص 280.

[18]   منشور قضاء المجلس الأعلى عدد73 ص 44.
[19] قرار عدد 118 ، صادر بتاريخ 6/2/2002 مشار إليه في مقال "بعض مظاهر التوازنات الاجتماعية و الاقتصادية بقرارات المجلس الأعلى في مجال التعويض و التأمين عن حوادث السير" للأستاذ....، منشور ب كتاب الندوة "السلامة الطرقية و مجالات الـتامين من خلال اجتهادات المجلس الأعلى"الصفحة 418